بسمة الحياة
بسمة الحياة
بسمة الحياة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى ثقافي إجتماعي ترفيهي يهتم بكل أمور الحياة
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الدين والعقل في المجتمع المعاصر

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
رومانسية الحب
نائب المدير
نائب المدير
رومانسية الحب


عدد المساهمات : 3553
تاريخ التسجيل : 15/09/2010

الدين والعقل في المجتمع المعاصر  Empty
مُساهمةموضوع: الدين والعقل في المجتمع المعاصر    الدين والعقل في المجتمع المعاصر  Icon_minitimeالأحد أكتوبر 31, 2010 6:40 am

يشهد الفكر الجرماني بخاصة والفكر الأوروبي والغربي بعامة مراجعة للرؤية التي تحكم علاقة العقل بالدين. يتم ذلك في اطار خطين: يتصل الأول بقلق عا من زيادة التهافت على الماديات والاستهلال في ظل التقليل السابق من دور الروحيانيات في حياة الانسان مجتمعات وأفراد.
ويتصل الثاني بتصاعد مظاهر العنف وصلته بالوضع الجيوسياسي لأوروبا وانتشار الارهاب والمخاطر التي يمكن ان تتعرض لها المجتمعات المدنية والاستقرار المحلي والعالمي.
هذان الخطان يدفعان باتجاه اعادة الاعتبار لدور الدين في حياة الانسان ما اعاد النقاش حول العلاقة بين العقل والدين.
ويتم ذلك في اطارين من جهة احياء ذكرى كانتْ والعودة الى افكاره وهو الذي وقف طويلاً امام علاقة الدين بالعقل. ومن جهة ثانية وفاء لقيم التنوير التي كان للعقل الجرماني مساهماته المهمة في هذا المجال.
وفذ هذا الاطار تجري حوارات وندوات مدارها العقل والدين منها الحوار الذي دار بين المفكر الالماني يورغين هابرماس وراهب الماني حول العقل والدين في مجتمعات ما بعد الحداثة.
كما شارك الدكتور محمد سبيلا رئيس قسم الفلسفة بجامعة الرباط، في الاطار نفسه في ندوة مشتركة بين الهيئة الالمانية للتعاون الدولي (ج.ت. ز) وبين مؤسسة غوته وانبثق من هذه الندوة مشروع للحوار اوكلت للدكتور حميد الاشهب (استاذ مغربي مقيم في النمسا مدرساً للتربية وعلم النفس) مهمة التنسيق لانجاح هذا المشروع.
وجرت اول حلقة حوار في اطاره في كلية الادب في جامعة الدار البيضاء. وحصيلة هذا الحوار مع البرفسور محمد سبيلا تنصب بالذات على قضية العقل والدين في الاسلام.
- حسم الغرب المسيحي الأصل في فجر العصر الحديث في قضية أساسية في حياته الحضارية والثقافية ألا وهي قضية العقل والعقيدة والدين والدولة. ولم يكن هذا الحسم سهلا، بل تطلب ثورات متعددة قيدت باسم وجوب عقلنة المجتمع وتأسيسه على مبادئ علمية/دنيوية في مقابل المبادئ الدينية التي كانت تستمد قوتها من سلطة علوية ــ الله. هل يمكن أن يحدث الشيء نفسه في ثقافات وحضارات أخرى كالحضارة الإسلامية؟ هل يجب أن يحدث هذا للمرور إلى تحديث السلطة وبناء دولة الحق والقانون أم هناك طريق آخر يمكن للمسلمين أخذه للإندماج في العالم المعاصر، المقاد من طرف الغرب في شقيه العقلاني والمسيحي؟

البرفسور محمد سبيلا:

- للتطور الذي حدث في الغرب سياقه الخاص ومحدداته الخاصة المرتبطة بسياق التاريخ الأوروبي.
أ _ فالغرب شهد حروبا دينية طويلة ودامية نذكر منها الحروب المسلحة التي جرت بين الكاثوليك والبروتستانت، في فرنسا، بين 1562 و1598. وقد تولدت عنها ثمانية حروب كان طابعها الظاهر خلافا دينيا، بينما كانت تعتمل في عمقها عوامل سياسية تتمثل في طموح العائلات النبيلة نحو السلطة. وأشهر هذه المعارك هي معركة القديس بارتيلمى (1572) وأشهر عقود الصلح التي شهدتها هي وثيقة نانت (Nantes) سنة (598) لإقرار السلم والتسامح بين الطوائف الدينية.
ب _ شهد الغرب الأوروبي، إضافة إلى الحروب الدينية الدامية صراعا حادا بين الكنيسة والدولة حيث كانت الكنيسة تسيطر على السلطة السياسية وتتحكم فيها، وتنصب الملوك وتمنحهم المشروعية.
هذان المعطيان، على الأقل، ساهما في ضرورة إيجاد حل للمسألة الدينية في الغرب عن طريق تفعيل المبدأ المسيحي في الفصل بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية.
وبموازاة هذا المخاض التاريخي بلور الفكر الفلسفي في الغرب، والفلسفة السياسية على وجه الخصوص، (ماكيافيل-سبينوزا-مونتسكيو-روسو- لوك-هوبز...) بداية تمايز الإشكالية السياسية المؤسسية الحديثة عن الإشكالية الثيولوجية الأخلاقية، وذلك على المستوى النظري بموازاة ظهور أنظمة سياسية ومنظومات فكرية تنتقد «الحق الإلهي» في الحكم على المستوى العملي.
إذن آلية الفصل بين الدولة والدين جاءت بمثابة حل لهذه المعضلات والصراعات التاريخية. فعلى الرغم من أن هذه الفكرة كانت واردة في الثقافة المسيحية منذ البداية (اعطوا لقيصر ما لقيصر وما لله لله)، لكنها لم تأخذ طريقها إلى التاريخ إلا بعد صراعات دموية طويلة. فقد جاءت أساسا لحل معضلات الصراع السياسي في وجهيه العقدي (الأيديولوجي) والسياسي.
أما في الفضاء العربي الإسلامي فقد كان الأمر مختلفا. فإذا كان الدين إجمالا هو الذي تحكم في السياسة وسخرها في الغرب، فإن السياسة هي التي تحكمت في الدين في الشرق العربي الإسلامي ووجهته واستغلته لصالحها، وجعلته في الكثير من الأحيان بمثابة إيديولوجيا، ومصدرا للمشروعية السياسية، وللحكم المطلق (الخليفة ظل الله في الأرض).
وفي الوقت نفسه لم يشهد الفضاء العربي الإسلامي، بشكل مستفحل، ظاهرة الصراع الديني أو الحروب الدينية باستثناء الصراعات السياسية للقرون الأربعة الأولى والمتمثلة في الفتنة وقتل الخلفاء.
فمع اتجاه الدولة الإسلامية نحو التوسع الخارجي كانت الحروب الخارجية تلتهم الحروب الداخلية وتحد من غلوائها.
وبعد عصور الجمود والانحطاط بين القرن العاشر الميلادي والقرن الثامن عشر على وجه التقريب، استيقظ هذا العالم على الغزو الاستعماري يتهدد جل البلدان العربية والإسلامية. وقد مارس الاستعمار سياسة مزدوجة تتمثل في التحديث التقني والاقتصادي والسياسي والثقافي، لكن مع الرعاية الخاصة والعناية بالتقاليد القبلية والعرقية والفولكلور والتراث الأسطوري المحلية وكل ما يكرس الانقسام الاجتماعي والعرقي واللغوي في هذه البلدان.
وفي هذا الإطار تبلورت أفكار نهضوية في الحواضر العربية الإسلامية الكبرى (مصر، الشام، العراق) تدعو إلى التوفيق بين الإسلام والحضارة الحديثة، بين العقل والنقل. كان نموذج هذه النهضة الأولى النزعة التراثية العقلانية والتحديثية التي مثلتها أفكار جمال الدين الأفغاني والدعوة التوفيقية العقلانية لمحمد عبده، ودعوة التركيز على الجانب الروحي والدعوى في الإسلام، والفصل بين الإسلام والحكم كما عبر عنه كتاب على عبد الرازق «الإسلام وأصول الحكم».
لكن ابتداء من السنة 1948 دخل العالم العربي الإسلامي في تحول تدريجي عميق نتيجة احتلال فلسطين وطرد شعبها، وشن عدة حروب عدة مباشرة من طرف الغرب (فرنسا وانجلترا في مرحلة أولى ثم انجلترا وأميركا في مرحلة ثانية) على الأنظمة العربية ذات الملمح القومي. فقد أحدثت الحروب الإسرائيلية الفرنسية الإنجليزية والأميركية على العرب (48-56-67-73-83-2003) تحولا نوعيا في الوعي العربي الإسلامي الذي كان في مراحل أولى متطلعا إلى الغرب، وإلى الاحتذاء بالتجربة الغربية، وإلى عقلنة السياسة وتحديث البنيات الاجتماعية والثقافية، ثم اتجه بالتدريج نحو الاحتماء بتراثه الديني والتمسك به وجعله أداة لرفض المظاهر الثقافية للتحديث، ولبعض مظاهر السياسة وغيرها.
واليوم يشهد الفضاء العربي الإسلامي صراعا بين قوى التقليد وقوى التحديث، الأولى تماهي بين الحداثة والغرب، بين الغرب العقلاني والغرب العدواني، بين الحداثة والاستعمار، وتعتبر التحديث تخريبا، واستلابا ومسخا للهوية. أما الثانية فتدعو إلى التمييز بين القشرة والنواة، بين العقل كنور معرفي، والعقل كهيمنة، بين الحداثة كحرية والحداثة كهيمنة، بين الغرب الحامل للأنوار والمبشر بها والناشر لها على الصعيد العالمي والغرب كاستعمار وإمبريالية كونية، أو بين العقل كحرية والعقل كأداة سيطرة وهيمنة.
ومصير هذا الصراع يتوقف على السياق الكوني من جهة لكنه يتوقف كذلك على حصانة وقوة الأطراف الداخلية المتصارعة في العقل السياسي والثقافي بالخصوص. أحيانا تتحقق خطوات إلى الأمام وأحيانا تحصل ارتدادات ونكسات على مستوى الوعي، وعلى مستوى الإنجازات والتنظيمات والتقنيات والمؤسسات.

- من المعروف أن العلمانية الغربية ليست حدثا تاريخيا فريدا في تاريخ الحضارة الغربية نفسها. فقد سبق الإغريق القدامى إلى هذه الفكرة وأحلوا القانون الإلهي بالقانون الطبيعي. هل يمكن أن نجد في التراث الإسلامي بذور محاولة تأسيس سلطة علمانية تهتم أساسا بالمشاكل الدنيوية للمجتمع؟ وكيف يمكن إحياء مثل هذه المحاولات إذا كانت العلمانية لحظة ضرورية لتحديث الشعوب المسلمة؟


البرفسور محمد سبيلا:
- تاريخ المجتمعات وتاريخ الثقافات هو تاريخ الصراع بين عوامل وفواعل التقدم والتطور، وعوامل وفواعل التخلف والركود. كل قوة من هذه القوى، وفق موقعها الاجتماعي، وحاجاتها ووعيها تبلور الرؤية الإيديولوجية المعبرة عن واقعها وطموحها باستعمال فهم معين وتأويل معين لثقافة الكتاب.
العالم العربي الإسلامي على وجه العموم ظل سجين القوى التقليدية والنخب التقليدية والسلط السياسية التقليدية. فباستثناء انطلاقته في القرون الأولى، كشعلة تجديدية وهاجة تحث على العلم والمعرفة وترتاد المجاهل الجغرافية والفكرية بنهم فكري وحضاري بيِّـن، عادت دول العالم العربي الأسلامي إلى الركون في أحضان التقليد وسيطرة القوى المحافظة والارتكاسية أحيانا. وهذا في تقديري هو القانون الذي يحكم التاريخ العربي الإسلامي إلى حد الآن.
بما أن الفكر هو الأفق الذي يتحرك التاريخ في إطاره، وهو الذي يشكل السقف والممكن، فإن حركات التجديد الفكري والعقلنة والتنوير محدودة ونادرة في هذا التاريخ (المعتزلة في الماضي، والحركة النهضوية في بدايات القرن العشرين، والنزعات العقلانية الفلسفية الموازية لها والتي ظلت مجرد تيارات نخبوية)، فهي لم تنتعش وتنتشر لتصبح ليس فقط منظومات فكرية بل حتى قوى اجتماعية فعالة؛ بل إن الأفكار الثورية والتجديدية كانت في الغالب شطحات أفراد أو مجموعات محدودة الفعالية والتأثير.
وحتى المجموعات الاجتماعية المحملة بأفكار تجديدية وثورية على المستوى السياسي بالخصوص (الخوارج، القرامطة...) سرعان ما تسقط في النزعة التمردية والفوضوية فتجد نفسها خارج المجتمع وخارج الشرعية، وخارج دائرة الفعل، وتصبح أثرا بعد عين.
غير أنه لابد من الإشارة إلى أن الحركات العلمانية عديمة الوجود تقريبا في التاريخ العربي الإسلامي. فباستثناء بعض الاتجاهات المغالية التي بلغت حد المجاهرة بالالحاد كابن الراوندي فإن المجتمع العربي الإسلامي لم يشهد في تاريخه أية حركة فكرية أو سياسية قوية تجادل في الإسلام أو تطعن فيه، كما أن هذا التاريخ لم يشهد ظهور أشخاص أو أسماء كثيرة من المجادلين أو المنكرين. لقد ظل المجتمع العربي الإسلامي منذ ظهور الإسلام إلى الآن مجتمعا دينيا.
ولذلك فلا معنى للبحث عن جذور سلطة علمانية في الإسلام، فالإسلام نفسه في نصوصه المؤسِّسة يتجه إلى القول بأن الإسلام دين ودنيا، وبأنه لا يمكن تصور دنيا بلا دين أو سلطة بلا عقيدة هذا واقع لا يرتفع، ويجب تقبله والتعامل معه كمعطى قائم.
مشكل الإسلام ليس هو غياب «محاولات تأسيس سلطة علمانية» من تاريخه، بل هو صمود تأويلاته الأولى وخضوعها المستمر للفهوم الارثوذوكسية والمحافظة. لقد عاش الفكر الإسلامي خارج التحولات الفكرية الكبرى التي شهدتها البشرية على الأقل منذ القرن السادس عشر. الاكتشافات العلمية التي قلبت وجه العالم وأحدثت صدمات كوسمولوجية وبيولوجية وسيكولوجية لدى الإنسان. كما أن إحدى مشاكله الأساسية هو هيمنة التأويلات الفقهية المحافظة والتي تعود محدداتها في القراءة إلى المستوى المعرفي للقرون الهجرية الأربعة الأولى، وجمود الاجتهاد.
المشكل الأساسي للإسلام في تقديري ليس هو عدم وجود تراث علماني، بل هو عدم تطور الثقافة الإسلامية وعدم استيعاب المعطيات الجديدة في مجال العلوم والتقنيات والتنظيمات وبخاصة في مجال العلوم الإنسانية.
وبالتالي فالحل يتمثل في تطوير الثقافة الإسلامية في تحديثها، وفي التعرف على ما جد في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية ليس فقط من حيث أنها تلقى أضواء كاشفة جديدة على الظواهر الاجتماعية والإنسانية وتيسر فهمها وتفسيرها تفسيرا علميا من خلال العوامل الملموسة، التي هي بمثابة أسباب وعلل ومحددات، بل أيضا من حيث أن العلوم الإنسانية طورت نوعيا مسألة فهم طبيعة الظاهرة الدينية نفسها، ببيان أبعادها الانتروبولوجية والسيكولوجية والاقتصادية والاجتماعية والإيديولوجية، وذلك من خلال مساهمات العديد من الفروع المعرفية كالانتروبولوجيا وعلوم الاجتماع وعلوم النفس وتاريخ الأديان المقارن... الخ.
لذلك فليس المطلوب، وليس الحل في الأفق المنظور، هو علمنة الحياة السياسية بالفصل الكامل بين الدين والسياسة في مجتمع ذي ثقافة دينية، بل إن المطلب الأساسي هو التحديث الثقافي بعامة، وتحديث الثقافة الدينية بفتحها على معطيات العصر العلمية وبخاصة مكتسبات العلوم الإنسانية والاجتماعية، وانفتاحها على فضاءات العالم الحديث، وذلك لتصبح الثقافة إطارا فكريا ملائما ومساندا للعملية الديمقراطية.
إن المجتمعات العربية الإسلامية منخرطة موضوعيا وزمنيا في الحداثة، لكن مع مقاومات وتلكؤات مصدرها الأغلب هو الثقافة التقليدية. إن تيسير عملية التحديث الشامل، التي هي _على الرغم من كل التلكؤات والتعثرات والمقاومات والتباطؤات سيرورة موضوعية مرتبطة بحتميات كونية وقطاعية شاملة يتطلب تغذيتها وإسنادها بالتحديث الثقافي الشامل، بعيدا عن الحلول التي ليست من طبيعة المجتمع.

للعلمانية علاقة وطيدة بالعقل والعقلانية، بل إن هذه الأخيرة هي أساس العلمانية الغربية. ومن المعروف أن إشكالية العقل واستعماله طرحت منذ الوهلة الأولى لظهور الإسلام، وحسم الأمر منذ الوهلة الأولى كذلك بإقصاء العقل، سواء من طرف السلطات السياسية لأزمان التاريخ الإسلامي المختلفة، أو من طرف بعض منظري الإسلام. هل هناك حاجة لإعادة إحياء الرجل الأساسية الثانية للإسلام -أي العقل-، ليس فقط كدين بل كمنظومة سياسية وسلطة دنيوية، في زمن تتوق المجتمعات الإسلامية لركوب قطار الحداثة؟

البرفسور محمد سبيلا:

- أود التمييز بين العلمانية السياسية، والعلمانية الثقافية. الأولى محدودة في المجال السياسي، أي استقلالية المجال السياسي كمجال مصالح، عن المجال العقدي كمجال مبادئ ومثل وقيم روحية وأخلاقية. بينما تقدم الثانية شاملة من حيث أنها تنظر إلى كل الظواهر الطبيعية والاجتماعية والنفسية والذهنية لا من حيث أنها بنات فواعل روحية متعالية بل من حيث هي ديناميات ومحددات زمانية ومكانية ومادية قابلة للرصد والحساب وللصياغة الرياضية، ملحة على التمييز بين التفسيرات الغيبية التي تتعارض مع العلم، والتفسيرات العلمية القابلة للرصد.
ومن جهة ثانية أود الإشارة إلى أن العلمانية السياسية تقوم على الفصل بين مجالي المتعالى والمحايث من جهة كمرحلة أولى، ثم على عقلنة (Rationalisation ) المجال السياسي. وكلمة عقلنة هنا غير العقل بالمعنى المتعارف عليه في تاريخ الفكر وهي أيضا غير العقلانية الفلسفية (Rationalisme).
والعقلنة هنا تؤخذ بمعنيين:
1- العقلنة كحوسبة (اشتقاقا من Ratio اللاتينية وتعني الحساب). إذن العقل هنا كنظام حسابي رياضي يحسب الكميات والمداخيل والمخترجات. عقلنة المجال السياسي بمعنى تنظيمه الكمي والرياضي.
2-العقلنة كترشيد لكن ليس بالمعنى الأخلاقي، لأن آخر هموم السياسة هو الأخلاق حتى وإن كانت العملية السياسية ترفع دوما شعار الأخلاق ورايتها. الترشيد العقلاني هنا يعني تحسين ادائية الفعل السياسي وفق ما يسميه ناحت الكلمة والمفهوم ماكس فيبر (M.Weber) العقلنة الغائية (أي العقلنة التي تستهدف تحقيق غايات محددة عن طريق تحويل كل الخطوات والوسائط إلى أدوات لتحقيق غاياتها).
فالمقصود بعقلنة المجال السياسي أو الفعل السياسي هو تمكينه من إجادة الأدائية السياسية وفق المؤسسية المشروعية الحديثة، وتحقيق التمثيلية الكاملة للنظام السياسي، واعتبار الفرد مواطنا فاعلا ذا حقوق غير قابلة للسلب، وتمكينه من مراقبة الحاكم ومحاسبته، وضبط العلاقات بين الفاعلين فيما بينهم، وبين المؤسسات فيما بينها ضبطا نصيا قانونيا يجعل العقلنة القانونية فوق الجميع.
فالعقلنة السياسية أو العلمنة السياسية تعني إبعاد كل العوامل التي تربك الأدائية السياسية، وعلى رأسها العوامل العرقية والإيديولوجية والدينية لتتحول العملية السياسية إلى عملية تمثيلية حسابية لا تستمد مشروعيتها إلا من أدائيتها ومن طابعها القانوني. وهذه هي الضمانة الوحيدة لئلا تحكم أية سلطة باسم أي مقدس دينيا كان أم إيديولوجيا. الوصول بالعملية السياسية إلى هذا المستوى الصوري الأدائي يبدو مثاليا. لكن مدارج الدبيب نحوه ممكنة.
أقول كذلك إن المجتمعات العربية الإسلامية ممتطية موضوعيا قطار الحداثة منذ القرن الثامن عشر، بدرجات متفاوتة: أي منذ أن بدأت تتعامل مع الحداثة التقنية، ومنذ أن بدأت تعرف الأبجديات الأولية للحداثة السياسية: الدستور، البرلمان، الانتخاب، التمييز بين السلط، ومنذ أن داهمتها الأفكار الحديثة وانعكست أو انكسرت على مرايا وعيها التقليدي الصقيل.
لكنها، وهي راكبة في قطار الحداثة، تبدي مقاومات وتلكؤات وتوهمات بأنها تستطيع أن تقفز خارج قطار الحداثة أو توجهه إلى الوراء أو تغذيه بفكر مغاير أوتقليدي إلى غير ذلك من المواقف والمشاعر.
يتعين علينا أن نفهم التاريخ الإسلامي في خصوصيته، ومميزاته فلا نسقط عليه خططاً جاهزة دون أن يعني ذلك أن هذا التاريخ لا تحكمه القوانين الكونية نفسها التي تسود تاريخ كل المجتمعات الأخرى، وإن بلوينات خاصة.
لقد كان هذا المجتمع مجال صراع بين قوى التقدم والتطور والتجديد، وقوى المحافظة والاجترار على المستويين الفكري والعملي. وكانت السيادة لحد الآن للقوى المحافظة أو التقليدية. إضافة إلى أن السقف الفكري لتصورات القوى الاستشرافية البديلة كان دوما واطئا بسبب هيمنة التأويل الاجتراري الذي يعتبر ابتداعا وخروجا عن الحدود التي ترسم آفاقها القوى الاورثوذوكسية في بعديها السياسي والثقافي الديني.
ولذلك فأنا معك في ضرورة إحياء التقاليد العقلانية في الثقافة الإسلامية، وهي التقاليد والرؤى الثقافية التي طمسها التطور وجعل منها قوى هامشية ومقصاة من دائرة الفعل وبعبارة واضحة وموجزة أقول أن التحديث السياسي لا يمكن أن ينجح إلا إذا سنده وحضنه تحديث ثقافي.
إن هناك فعلا تراثا عقلانيا ثرا في تاريخ الإسلام نصا وثقافة. لكن أتربة الزمان طمرتها قليلا. ومن ثمة ضرورة النبش عنها لإبراز وجودها ونفض الغبار عنها، ثم تطويرها وحقنها بدلالات حديثة.
فمادة العقل متواترة في القرآن الكريم في تسع وأربعين آية معظمها حث على استعمال العقل (أفلا تعقلون). والسنة النبوية هي كذلك طافحة بالدعوى إلى استعمال العقل في أمور الدنيا والدين.
غير أن تفعيل العقل نظريا وعمليا، أي عقلنة كل مظاهر الحياة المجتمعية يتطلب اجتهادا وجرأة وتدبيرا للمجتمع لأن العقل في العصر الحديث لم يعد مجرد مقولات فكرية أو عقلا نظريا بل أصبحت عملية عقلنةٍ شاملةٍ لكل مظاهر الحياة. لقد أصبح عقلا عمليا وعملياتيا.

-أصبح تحديث المجتمعات الإسلامية مطلبا داخليا وخارجيا وهو تحديث مبرمج له ومفروض إلى حد ما من طرف القوى الغربية مرة بالترغيب ومرة بالترهيب، ومن المعلوم أن هذا التحديث يتطلب، إن على المدى القصير أو المتوسط، التفريق بين «ما للقيصر وما لله». وقد يكون هذا التحدي من بين المشاكل الأساسية لسلطات سياسية مسلمة ماتزال تدعي أن سلطتها مستمدة بل ومدعومة من طرف الدين، ما هي سبل المرور بالسلطة في المجتمعات الإسلامية من السماء إلى الأرض؟

البرفسور محمد سبيلا:

- إن سبيل الانتقال بالسلطة في المجتمعات العربية الإسلامية من السماء إلى الأرض يمر _مرة أخرى- عبر التحديث الثقافي الذي سيكشف الطابع الدنيوي للسياسة وللسلطة، وينزع عنها زهور القدسية التي تحاول أن تجمل بها نفسها وتزين بها ممارساتها فيتبين أنها مجرد سلط دنيوية بشرية ذات مصالح.
إذا كان الفكر التقليدي هو الفكر الذي يدعم قدسية السلطة السياسية ويؤكد مشروعيتها المتعالية، فإن الفكر العصري أو الحداثي هو الفكر الذي ينزع عن السلطة قناع القدسية الذي تحاول التدثر به ويعتبرها مجرد سلطة بشرية قابلة للخطأ والزلل والزيغ ويتعين من ثم مراقبتها ومحاسبتها.
إن تطور المجتمعات العربية الإسلامية رهين بمدى سيادة وعي تاريخي يرى أن السلطة ليست مقدسة ولا تمثل المقدس، بل هي سلطة دنيوية تتدثر بالمقدس. وهذا الوعي يجب أن يتبلور أساسا لدى الشريحة أو الشرائح الفكرية العليا في المجتمع أي لدى النخب السياسية والثقافية والتقنية والإدارية، وأن ينتشر تدريجيا لدى الفئات الوسطى الفاعلة في المجتمع.
إن قروناً عدة من الاستبداد السياسي ومن الهيمنة المطلقة للسلطة باسم الدين، لا يمكن أن تزول بسرعة لأنها أصبحت تتجسد ليس فقط في مؤسساته وأعرافه بل إنها أصبحت ثقافة راسخة في النفوس وجاتمة في اللاوعي. وفي تقديري أن اكتساب وعي تاريخي حداثي بالمسألة السياسية هو الشرط الأول لكل تطور في المجتمعات العربية الإسلامية.
وأعود لأقول ثانية بأن المسألة السياسية في العالم العربي الإسلامي هي في جزء كبير منها مسألة ثقافية، وليست فقط مسألة إجراءات ومساطر وإقرار قوانين. وكأن الحداثة تشترط قبليا وبشكل لا واع أنها إما أن تكون كلية أو لا تكون. فالتحديث السياسي بدون تحديث ثقافي واسع مهدد ومخـروم وبنيان آيل للسقوط والارتداد.

- في الوقت الذي تحاول فيه المجتمعات الإسلامية المرور إلى الحداثة من بابها الواسع في تنظيم السلطة وتأسيس دولة الحق والقانون واقتناء سبل التقنية والاندماج في اقتصاد السوق إلخ تلوح في أفق الحضارة الغربية المعاصرة ملامح المرور إلى ما اصطلح عليه عصر ما بعد الحداثة. ويعتبر اعتراف العقل -بعد مرور أكثر من أربعة قرون- بأهمية الدين في حياة فئات مختلفة من المجتمع الغربي المتعدد ثقافيا ودينيا -دون أن يعني هذا الاعتراف الرجوع إلى الدين من قبل السلطات السياسية- من سمات مجتمع ما بعد الحداثة إلى جانب سمات أخرى. وقد أدى هذا الاعتراف إلى نوع من المصالحة/الهدنة بين العقل والدين من أجل تدبير المجتمع المتعدد بإرساء دعائم الحوار والتفاهم والتعايش بين معتنقي الديانات المختلفة والمنتمين لثقافات مغايرة في البلد الأوروبي نفسه. هل يمكن أن يكون الحوار مخرجا لمأزق العلاقة بين الغرب العلماني وبين ليس فقط السلطات السياسية التي تقود الدول المسلمة، بل وأيضا الجناح الإسلامي الرافض/المنافس لهذه السلطات وللنموذج الغربي على حد سواء؟ بعبارة أخرى أيمكن اعتبار الحوار كقيمة أخلاقية علمانية ولربما أيضا دينية وسيلة لإعادة التوازن للعلاقة بين الغرب العلماني المسيحي والشرق المسلم؟


البرفسور محمد سبيلا: أولا: هناك أولا تدقيقات مصطلحية لابد من ذكرها حتى يكون النقاش واضحا والأفكار جلية.
أولا هناك إشكال فكري كبير حول مصطلح ما بعد الحداثة. فهو ليس محل اتفاق، فهل ما بعد الحداثة عصر جديد يختلف نوعيا عن الحداثة أم هو مجرد استمرار بشكل آخر للحداثة، أم هو مجرد حساسية ثقافية جديدة أم ماذا؟
شخصيا أميل إلى القول بأن الغرب لم يخرج من عصر الحداثة إلى عصر ما بعد الحداثة. فهذا المصطلح ملتبس وبخاصة في صيغته العربية (ما-بعد). كل ما في الأمر أن الحداثة الغربية قد دخلت سرعة جديدة ومرحلة مراجعة لبعض أسسها الأولى. وهذا داخل في صلب الحداثة نفسها مادامت هي دينامية متجددة، ونقدا ذاتيا مستمرا، واستمدادا ذاتيا للمشروعية.
فقد بدا خطاب الحداثة وكأنه يقدمها على شكل أسطورة (حكاية) كبرى قوامها الإنسان الفرد، والعقل، والحرية، والتقدم كغائية للتاريخ. في حين أن واقعها هو الفرد المسحوق وسيادة اللاعقلانية والحرب والاستبداد، وربما النكوص والانحطاط. فما بعد الحداثة (وما أفضل تسميته بالحداثة البعدية) إن هي إلا الحداثة وهي تنتقد نفسها انتقادا ذاتيا، لتفسح لنفسها آفاق أوسع للتطور.
ثانيا: من بين الأفكار الجديدة، في هذه اللحظة الثانية التي يذهب البعض إلى اعتبارها فترة ما بعد حداثة، هو دور الدين. فقد كانت الحداثة الكلاسيكية خطابا عقلانيا صارما يقصي المتخيل والإبداع والدين وكل ما اعتبر مندرجا في قائمة اللاعقل. واليوم هي تعيد الاعتبار للاوعي وللمتخيل وللدين... إلخ.
كانت الأنوار قد اعتبرت الدين خرافة يتعين التخلص منها، كما تدل على ذلك صرخة فولتير الشهيرة اسحقوا الكريه (Ecrasez l_infamne). وأدين الدين باعتباره خيالا أو لامعقولا أو أسطورة أو وهما أو أفيونا أو «معرفة» تجاوزها العلم... إلخ.
لقد شهدت الأنوار علاقة متوترة بين الدين والعقل (الأنوار). فحتى في ألمانيا التي شهدت توترا أقل بينهما تطور هناك نقد فلسفي قوى للدين. فهذا لودفيغ فويرباخ يرى أن ماهية المسيحية ليست إلا ماهية الإنسان وهي تمجد ذاتها وتسقط نقائصها على العالم الآخر، وأنها التصور المقلوب للإنسان. بينما اعتبر كارل ماركس الدين مخدرا وافيونا من ناحية واحتجاجا و»وادي دموع» الخليقة المعذبة اجتماعيا في هذا العالم من ناحية ثانية.
أما الاتجاهات الوضعية، التي هي بشكل أو بآخر ايديولوجيا عصر سيادة العلوم والتقنيات وظفرها، فهي ترى أن التقدم العلمي والتقني سيحقق السعادة والإشباع لكل الأفراد والشعوب، وأن العقلنة الاقتصادية وتنامي النظرة العلمية لظواهر الطبيعة والإنسان ستمكنان من نزع الخرافة والأسطورة والوهم عن العالم. بل إن بشائر التقدم الاقتصادي والعلمي منذ القرن 19 أوحت بأن العالم دخل نهائيا المرحلة الوضعية، مرحلة نهاية الإيديولوجيات الاجتماعية والروحية حتى.
لكن التطور الروحي في العديد من الشعوب أثبت العكس. فبعد نشوة التقدم العلمي والتقني وعقلنة الاقتصاد والسياسة، انبعثت المشاعر الدينية من جديد: في العالم المتقدم كرد فعل على غياب المعنى ونضوب الدلالة، وفي العالم الآخر، وبخاصة العالم العربي الإسلامي، كرد فعل ضد عدوانية الغرب ومادية التقنية وإباحية القيم الثقافية التي تحملها الثقافة الغربية.
وكما أوضحت ذلك ندوة برلين _التي عقدت مؤخرا (نوفمبر 2004) بتشارك بين معهد غوته والمؤسسة الألمانية للتعاون التقني (GTZ) والتي ركزت على دراسة العلاقة بين الدين والتقدم، فإن العودة الكثيفة للروحانيات في العالم المعاصر، وذلك على الأقل منذ ربع قرن، تدعو إلى ضرورة إعادة التفكير في المسألة الدينية، وإعادة النظر في الوظائف والأدوار الفاعلة للدين في العالم المعاصر. وفي هذا الإطار تمت العودة إلى استلهام سوسيولوجيا الدين عند ماكس فيبر (M.Weber) الذي بين كيف أنه قد تطورت في الغرب الأوروبي وأميركا الشمالية ثقافة حافزة على التطور الرأسمالي انطلاقا من الأسس الأخلاقية العقلانية البروتستانتية. فعلى عكس الرؤية الأنوارية والماركسية يرى ماكس فيبر أن الثقافة الدينية ليست عائقا او نشازا أو هروبا إلى عالم آخر، بل هي _على الأقل النموذج البروتستانتي- حافز للتطور ومحرك اجتماعي، أو كما يسميها دوبريه (Mythomoteur). فالآمال والإلهامات الدينية قوة محركة حاسمة للتطور والتحديث: وتلك هي خلاصة رأي فيبر (انظر وثائق ندوة برلين حول الدين والتقدم، لدى مؤسستي Goete وGTZ برلين، نوفمبر 2004).
واليوم يعيش العالم فترة عودة الدين وانبعاث الروحانيات والخصوصيات الدفينة بعد أن عاش فترة عقلانية امتدت من نهاية القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن العشرين، كما أن التطور الفكري في مجالات الفلسفة والعلوم الإنسانية أدى إلى إعادة النظر في دور الدين ومعناه وقيمه، ومراجعة جذرية للأطروحات الوضعية والماركسية.
فريجيس دوبريه Regis Debré مثلا عاد وخصص دراسات عدة للمسألة الدينية آخر كتاب «المقدس الباهر» أو النار المقدسة (Feu sacré) يبين فيه أن الدين ليس أفيونا الشعوب بل هو فيتامين الضعيف، وأنه ليس مادة منومة بل هو عنصر منبه موقظ ومثير للحماس. كما أنه الفكر الوحيد الذي يقدم بعد حياة إضافي Un supplement de vie ليس فقط على المستوى الروحي بل للجسد أيضا.
لكن رغم هذه العودة، وهذه المراجعة لم يتغير أي شيء بالنسبة لعلاقة الدين بالسياسة. فكل البلدان المتقدمة التي تبنت الحداثة السياسية، تحرص على عدم جعل الدين عنصرا فاعلا في السياسة، دون أن يعني ذلك إقصاء الدين من الحياة الروحية للمجتمع والأفراد بل الحرص على حمايته على ألا يؤثر في المسار والقرار السياسي.
أما العالم العربي الإسلامي فهو لم يعش قطيعة مع تراثه الديني. فباستثناء بعض الفترات خلال مرحلتي الاستعمار والاستقلال، التي عاشت فيها بعض النخب الحديثة أو بعض الأحزاب الماركسية أو المتأثرة بها حلم يقظة علماني، فإن هذه المجمعات لم تشهد قطائع أو ثورات مضادة للدين.
لكن منذ ربع قرن على الأقل عاشت المجتمعات العربية الإسلامية فورة دينية تسمى الصحوة الإسلامية، وهي اتجاهات يغلب فيها البعد الحركي على البعد الفكري.
وهذه الحركات، وما تولد عنها من ردود فعل عنيفة وراديكالية هي اولاً رد فعل قوي ضد: العنف الاستعماري والإمبريالي الذي تمثل في احتلال البلدان العربية وتسخير خيراتها، وضد احتلال فلسطين، وضد مسلسلات العدوان على العالم العربي منذ غزوة نابليون لمصر سنة 1798.
وثانيا هي رد فعل ضد المفاعيل الناقدة والتفكيكية التي تحملها وتمارسها الثقافة الغربية بنزعتها المادية والإباحية.
لكن كذلك يتعين الإشارة إلى أن حركات الإسلام السياسي هي أيضا تعبير ليس فقط عن خطة دفاعية، بل عن رغبة في التطور والتقدم، ومن ثمة قبولها بالتكنولوجيا، وترددها تجاه التنظيمات (الديمقراطية، فصل الدولة عن الدين...)، وتحفظها تجاه الكثير من مظاهر الثقافة الحديثة التي هي ثقافة الحرية والمسؤولية الشخصية.
لكن رغبتها في التطور وفي تحديث الثقافة الإسلامية وجعلها مواكبة للتقدم والتطور تجعلها ممزقة بين الرغبة وعدم القدرة، وخاصة في الجانب الثقافي.
فتطورها الثقافي المحدود، وعدم تمثلها واستيعابها لمعطيات الفلسفة والعلوم الاجتماعية الحديثة في نظرتها للظواهر الإنسانية والاجتماعية، تجعلها تظل سجينة الفهوم والتأويلات والأطر التفسيرية التي سادت التاريخ العربي الإسلامي منذ القرن العاش، والتي لم تعان من الصدمات الفكرية الكبرى التي عاشتها الحداثة.
بل إن المجتمعات العربية الإسلامية اليوم، تعيش حالة صدمة، ذلك أن تمسكها الحرفي بثقافتها وتطويرها لأكثر جوانبها دفاعية وراديكالية، وانتشار فهوم وتأويلات دعمتها ونشرتها على أوسع نطاق إشعاعات الوليمة النفطية الخليجية، التي لعبت دورا حاسما في ترسيخ ثقافة دفاعية متزمتة، أدى إلى نتائج غير متوقعة. فقد كانت تتوخى التغطية على التفاعل الصامت مع الغرب الرأسمالي بنشر ثقافة راديكالية دفاعية وهجومية. لكن تدحرج الراديكالية الإسلامية نحو التطرف والعنف المحلي والعالمي، جعلها تدرك مخاطر هذه السياسة المزدوجة ومخاطر الانغلاق. ولعل مكر التاريخ اليوم يتمثل في تحويل الضغط الخارجي بضرورة الإصلاح السياسي والتحديث الفكري، من مطلب خارجي إلى مطلب داخلي. وهو ربما ما سيساعد وما سيجعل من التنوير الديني ومصالحة الدين مع الحداثة، حاجة داخلية ماسة وحافزا قويا على التطور.



دراسات شرقية تصدر عن مركز الأبحاث والدراسات الشرقية - باريس
News1

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مندي منير
مشرف منتدى الشباب
مشرف منتدى الشباب
مندي منير


عدد المساهمات : 1703
تاريخ التسجيل : 04/11/2010
العمر : 33
الموقع : https://bassma112001.alafdal.net

الدين والعقل في المجتمع المعاصر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدين والعقل في المجتمع المعاصر    الدين والعقل في المجتمع المعاصر  Icon_minitimeالإثنين نوفمبر 29, 2010 5:57 pm

بجد تسلم ايديك
الموضوع كان كبير اوي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رومانسية الحب
نائب المدير
نائب المدير
رومانسية الحب


عدد المساهمات : 3553
تاريخ التسجيل : 15/09/2010

الدين والعقل في المجتمع المعاصر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدين والعقل في المجتمع المعاصر    الدين والعقل في المجتمع المعاصر  Icon_minitimeالثلاثاء نوفمبر 30, 2010 2:43 pm

الدين والعقل في المجتمع المعاصر  4aa4d74bd49bf126454aa4d74bd4da60
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مندي منير
مشرف منتدى الشباب
مشرف منتدى الشباب
مندي منير


عدد المساهمات : 1703
تاريخ التسجيل : 04/11/2010
العمر : 33
الموقع : https://bassma112001.alafdal.net

الدين والعقل في المجتمع المعاصر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدين والعقل في المجتمع المعاصر    الدين والعقل في المجتمع المعاصر  Icon_minitimeالجمعة ديسمبر 03, 2010 6:26 pm

الدين والعقل في المجتمع المعاصر  552712603
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رومانسية الحب
نائب المدير
نائب المدير
رومانسية الحب


عدد المساهمات : 3553
تاريخ التسجيل : 15/09/2010

الدين والعقل في المجتمع المعاصر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدين والعقل في المجتمع المعاصر    الدين والعقل في المجتمع المعاصر  Icon_minitimeالسبت ديسمبر 04, 2010 11:11 am

الدين والعقل في المجتمع المعاصر  57
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Admin
بسمة الحياة
بسمة الحياة
Admin


عدد المساهمات : 1405
تاريخ التسجيل : 14/09/2010
العمر : 39
الموقع : https://bassma112001.alafdal.net

الدين والعقل في المجتمع المعاصر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدين والعقل في المجتمع المعاصر    الدين والعقل في المجتمع المعاصر  Icon_minitimeالثلاثاء يناير 04, 2011 11:30 am

" border="0" alt=""/>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bassma112001.alafdal.net
رومانسية الحب
نائب المدير
نائب المدير
رومانسية الحب


عدد المساهمات : 3553
تاريخ التسجيل : 15/09/2010

الدين والعقل في المجتمع المعاصر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدين والعقل في المجتمع المعاصر    الدين والعقل في المجتمع المعاصر  Icon_minitimeالأربعاء يناير 05, 2011 5:57 am

الدين والعقل في المجتمع المعاصر  Rdd5ye8
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الدين والعقل في المجتمع المعاصر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فاروق حسني: النقاب والقنوات الدينية سيهدمان المجتمع
» امثال شعبية تخالف الدين
» الدين نصيحة أكتب نصيحة لمن يأتى بعدك وللجميع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
بسمة الحياة :: المنتدى الثقافي :: ثقافة المجتمع المعاصر-
انتقل الى: